مشاكل البلوغ
البلوغُ puberty هو الفترةُ التي يصبح فيها الطفلُ شخصاً بالغاً بفعل النمو الجسدي. ويمكن للطفل ان يدركَ بانَّه يمرُّ بمرحلة البلوغ من خلال التَّغيُّرات التي تطرا على جسمه.
في حالة الانثى، فإنَّها سوف تلاحظ تنامي حجم الثديين وظهور شعر العانة، وهو ما يتزامن مع حدوث طفرة النمو، كما ستبدا لديها الدَّورة الشهريَّة (الحيض menstruation). وسوف يحدث تغيُّرٌ في الشكل العام للجسم، بحيث يتوسَّع الوركان، وتصبح انحناءات الجسم اكثرَ تمايزاً.
امَّا في حالة الذكر، فتتزامن طفرةُ او قفزة النموُّ مع ظهور شعر العانة وشعر الوجه، وزيادة في حجم الخصيتين والقضيب. كما ياخذ شكلُ الجسم في التَّغيُّر ايضاً، بحيث يزداد عرضُ الكتفين وتكتنز عضلاتُ الجسم، وتزداد خشونة الصوت.
وتنجم هذه التغيُّراتُ عن الزيادة الكبيرة في إفراز الهرمونات الجنسيَّة (التستوستيرون Testosteron عند الذكور والإستروجين Estrogen عند الإناث).
تستمرُّ فترةُ البلوغ حتى بضع سنوات، ويختلف السنُّ الذي يبدا به وينتهي عنده بشكلٍ كبير؛ فهو يبدا في عمرٍ يتراوح بين 7-13 عاماً بالنسبة للإناث، وبعمرٍ يتراوح بين 9-15 عاماً بالنسبة للذكور، وفي اعمار اقلّ او اكثر عند بعض الاطفال، وهو امرٌ طبيعي تماماً.
امَّا إذا انقضت تلك السنواتُ دون ان تظهرَ على الطفل ايَّة دلائل على حدوث تغيُّراتٍ جسديَّة، فتُسمَّى الحالةُ بتاخُّر البلوغ.
وتُعدُّ الانثى مصابةً بتاخُّر البلوغ إذا لم تطرا ايُّ زيادة على حجم ثدييها رغم بلوغها الثالثةَ عشر من العمر، او لم تحدث لديها الدورة الشهرية رغم بلوغها السادسة عشرة من العمر.
ويُعدُّ الذكرُ مصاباً بتاخُّر البلوغ إذا لم تطرا زيادةٌ على حجم الخصيتين عنده، رغم بلوغه الرابعة عشرة من العمر.
اسباب تاخُّر البلوغ
قد يتاخَّر البلوغُ لعدَّة اسباب. ويُعزى في معظم الاحيان إلى نمط النمو والتَّطوُّر السائد في العائلة، فقد يُلاحظ انَّ احدَ اقارب الطفل قد واجه نفس التاخر في البلوغ ايضاً، وهو في هذه الحالة يُسمَّى بالتاخُّر البِنيَوي constitutional delay، ولا يتطلَّبُ استعمالَ ايِّ نوعٍ من العلاج عادةً. وسوف يحدث البلوغُ في نهاية الامر، وإن تاخر قليلاً عن باقي الاقران.
ومن جهةٍ اخرى، فقد يكون تاخُّرُ البلوغ ناجماً عن الإصابة بمشاكل صحيَّة؛ حيث يمكن للامراضٍ المزمنة مثل داء السُّكَّري او التليُّف الكيسي او الامراض الكلوية او حتَّى الربو ان تؤدِّي إلى تاخُّر حدوث البلوغ، لانها تعيق تطوُّرَ ونمو الجسم. وفي هذه الحالة، ينبغي علاجُ السبب الرئيسي والسيطرة عليه، فمن شان ذلك ان يُقلِّلَ من احتمال حدوث التاخُّر في البلوغ.
كما قد يتاخَّر البلوغُ عند الطفل، الذي يُعاني من سوء التَّغذية، عن اقرانه الذين يتوفر لهم نظام غذائي صحي ومتوازن؛ فمثلاً، يفقد المراهقون الذين يُعانون من القهم العُصابي Anorexia nervosa الكثيرَ من اوزانهم، بما يعيق نموَّ اجسامهم بشكلٍ صحيح. كما قد يتاخَّر البلوغُ عند الفتيات اللواتي يمارسنَ الرياضة بوتيرة عالية، لانَّ ذلك سيؤدِّي إلى تدنِّي نسبة الشحوم في اجسادهن، والدُّهون مكوّنٌ ضروري للجسم كي يتهيَّا للدخول في مرحلة البلوغ وبَدء الحيض.
كما قد يتاخُّر البلوغُ ايضاً نتيجةً لوجود مشاكلَ في الغدَّة النُّخاميَّة او الغدَّة الدَّرقيَّة، حيث تُنتج هذه الغددُ الهرمونات اللازمة لنموِّ وتطوُّر الجسم.
لا يبدا حدوثُ الحيض عند الإناث في بعض الاحيان، لانَّ الرَّحمَ والمهبل لم يتخلَّقا بشكلٍ كامل، او بسبب فرط مستويات هرمون البرولاكتين Prolactin، وقد يكنَّ مُصاباتٍ بحالةٍ تُسمَّى متلازمة المبيض متعدِّد الكيسات polycystic ovary syndrome (PCOS).
كما قد يُعاني بعضُ الاطفال الذين لا يدخلون في مرحلة البلوغ في الوقت الطبيعي من مشاكلَ في صبغيَّاتهم، بحيث إنَّ مشاكلَ الصبغيَّات قد تتداخل مع سير النمو الطبيعي لديهم.
تعدُّ متلازمةُ تيرنر Turner syndrome مثالاً للاضطراب الصبغي. وتحدث هذه الحالةُ عندما يكون احد صبغيّي الانثى X شاذّاً او مفقوداً. ويُسبِّبُ هذا مشاكلَ في طريقة نموِّ الفتاة وتخلُّق المبيضين وإنتاج الهرمونات الجنسيَّة. ويكون طولُ النساء اللواتي يُعانينَ من متلازمة تيرنر غير المُعالَج اقصرَ من المعتاد، وغالباً ما يكنَّ عقيماتٍ، وقد يُعانينَ من مشاكل صحيَّة اخرى.
بينما يُولَدُ الذكورُ المُصابون بمتلازمة كلينيفيلتر Klinefelter syndrome ولديهم زيادة في الصبغي X (XXY بدلاً من XY). ويمكن لهذه الحالة ان تُبطئ من التطوُّر الجنسي.
ما الذي يمكن للاطبَّاء ان يقوموا به؟
النباُ السارُّ هو انه بوسع الاطبَّاء مساعدة المراهقين الذين يعانون من تاخُّر البلوغ على تجاوز هذه المشكلة؛ فإذا اشتبه المراهق بانَّ جسمَه لا ينمو كما ينبغي، فيجب عليه طلب المشورة الطبية.
وسوف يقوم الطبيبُ بإجراء فحص سريري وسؤال المريض عن تاريخه الصحِّي القريب والبعيد، والاستفسار عن ايَّة مخاوف او اعراضٍ لديه، وعن الوضع الصحِّي لافراد عائلته وعن الادوية التي يستعملها وحالات التحسُّس التي قد يُعاني منها، وعن قضايا اخرى مثل انماط نمو افراد العائلة. وسوف يقوم الطبيبُ برسم مخطَّطٍ بيانيٍّ لمعرفة ما إذا كان نمطُ النمو يدلُّ على وجود مشكلة، وقد يوصي بإجراء اختبارات دمويَّة لتحرّي المشاكل في الغدَّة الدَّرقيَّة او النخاميَّة او في الصبغيَّات او مشاكلَ اخرى. وقد يطلب الطبيبُ إجراءَ صورة شعاعية لتحديد العمر العظمي للشخص، وذلك لمعرفةَ ما إذا كانت عظامُه تنمو بشكلٍ طبيعي ام لا.
قد يكون تاخُّرُ البلوغ ناجماً عن مشكلة طبية، ويكون سببُه نمط النمو البطيء قليلاً لا اكثر؛ فإذا وجد الطبيبُ مشكلةً بالفعل، فسوف يقوم بتحويل الحالة إلى اختصاصي الغدد الصمَّاء عند الاطفال، وهو طبيبٌ متخصِّصٌ في علاج الاطفال والمراهقين الذين يُعانون من مشاكل في النمو، او ان يُحوِّل الحالة إلى طبيبٍ اختصاصيٍّ آخر لإجراء المزيد من الاختبارات او للعلاج.
قد يجد بعضُ المراهقين، ممَّن يُعانون من تاخُّر البلوغ، صعوبةً في انتظار حدوث التغيُّرات المرافقة للبلوغ، حتى بعدَ طمانة الطبيب لهم بانَّ الوضع طبيعي. وفي هذه الحالة، قد يقوم الطبيبُ في بعض الحالات بوصف برامج علاجية قصيرة الامد (لبضعة اشهر عادةً) بادوية هرمونيَّة للحصول على تغيُّراتٍ تُشير إلى بدء حدوث البلوغ. وبعد التوقُّف عن استعمال الهرمونات الصناعية، سوف تَحِلُّ محلها الهرمونات الطبيعية التي يُنتجها المراهق، وذلك لإتمام عمليَّة البلوغ.
يمكن للإناث استعمال حبوب هرمون الإستروجين Estrogen او اللُّصاقات الجلديَّة، بينما يستعمل الذكورُ حقنَ التستوستيرون Testosterone. وقد يحتاج البعض إلى استعمال العلاج الهرموني لفترة زمنيَّة طويلة إذا لم تكن اجسامهم قادرة على إنتاج كميَّاتٍ طبيعيَّةٍ من هرمون الإستروجين او التستوستيرون.
قد يحتاج بعضُ المراهقين إلى إجراء تصويرٍ للدماغ (مثل التصوير بالرنين المغناطيسي MRI) للتحقُّق من وجود مشاكل في الغدة النخاميَّة. بينما قد تحتاج الإناث إلى إجراء تصوير بالإيكو (التصوير بالامواج فوق الصوتيَّة) لمعرفة مدى تطوُّر الرحم والمبيضين.
التعامل مع تاخُّر سنِّ البلوغ
قد يكون من الصعب جداً على المراهق (او المراهقة) مشاهدة اقرانه يكبرون ويمتلكون علامات البلوغ، في حين لا يزال يبدو هو طفلاً (او طفلةً) ، وقد يشعر كما لو انَّه لن يلحق بركبهم ابداً؛ فضلاً عن انَّ عدمَ امتلاك الطفل لعلامات البلوغ قد تجعله عرضةً لسخرية زملائه في المدرسة وتهكُّمهم. وحتى لو قام الطبيبُ او اهل الطفل بطمانته من انَّ وضعه طبيعي، وانَّ المسالة هي مسالة وقت وحسب، فقد لا يكون ذلك كافياً لتهدئة باله، رغم اقتناعه بما يقولون.
ينبغي على المراهق، عندَ الشعور بالاكتئاب او تعرُّضه لمضايقات من زملائه في المدرسة او معاناته من مشاكل اخرى مرتبطة بتاخُّر النمو والتَّطوُّر، ان يتحدَّثَ إلى والديه او طبيب الاسرة او ايّ شخصٍ بالغٍ موثوق كي يساعده على الحصول على استشارة طبية بشان حالته، ودعمه نفسياً كي يتمكَّنَ من التغلُّب على قلقه ومخاوفه.
تاخُّرُ البلوغ هو حالةٌ من الصعب على المراهق تقبُّلها والتعامل معها، ولكن ينبغي على عليه ان يدركَ بانها مشكلةٌ قابلة للحل عادةً، وانه سيلحق في النهاية بركب اقرانه.